المسجد الأقصى هو أحد أهم المواقع الدينية والتاريخية في العالم، وهو مقدّس لدى المسلمين، وله تأثير كبير في الشأن السياسي والثقافي في الشرق الأوسط. يقع في قلب مدينة القدس القديمة، يعكس المسجد الأقصى تراثاً ثقافياً ودينياً غنياً، ويحمل في جدرانه الكثير من الأحداث والتجارب التي شكلت تاريخ المنطقة.
في هذا المقال، سنتعرّف تاريخ وأهمية المسجد الأقصى من منظور ديني وتاريخي، وسنلقي الضوء على دوره الحالي في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني والمكانة الثقافية التي يحتلها في قلوب المسلمين، كما سنتعرّف هندسة المسجد وتصميمه الرائع.
"المسجد الأقصي" تاريخه و اهميتة للمسلمين |
بناء المسجد الأقصى و أول من بناه
ذكر القرطبي وغيره أن أول بيت وضع في الأرض للعبادة هو بيت الله الحرام بمكة المكرمة، وبعده المسجد الأقصى بأربعين عاماً. وهذا ما رواه البخاري وغيره عن أبي ذر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض، ثم المسجد الأقصى، ثم مسجدي هذا".
ولكن هناك روايات أخرى تقول أن سليمان عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى، وأن إبراهيم هو الذي بنى المسجد الحرام. وهذه الروايات لا يمكن أن تتفق مع الرواية السابقة، لأن سليمان وإبراهيم بينهما آماد طويلة.
وقد حاول القرطبي التوفيق بين الروايتين بأن إبراهيم وسليمان ليسا أول من بنى المسجدين، وإنما جددا بناءهما، وبنيا على قواعد وأساس من سبقهما، وهو آدم عليه السلام، وقيل: الملائكة.
وذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أمر الله الملائكة ببناء بيت في الأرض، وأن يطوفوا به، وكان هذا قبل خلق آدم عليه السلام. ثم إن آدم بنى منه ما بنى، وطاف به، ثم الأنبياء بعده، ثم استتم بناءه إبراهيم عليه السلام. وهذا ما تشير إليه الآية الكريمة: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127].
تاريخ المسجد الأقصى
بُني المسجد الأقصى على مر العصور، وشهد عمليات تجديد وترميم متعددة، بدأ بناء المسجد الأقصى في عهد النبي إبراهيم عليه السلام نحو 2000 قبل الميلاد، ومن ثم تولى أبناؤه إسحاق ويعقوب عليهما السلام، وجُدّد المسجد أيضاً في عهد النبي سليمان عليه السلام نحو 1000 قبل الميلاد.
في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب عام 15 هـ (636 م)، جرى تنظيف الصخرة المشرّفة وساحة المسجد الأقصى وبناء مسجد صغير جنوبي المسجد الأقصى.
الجامع القبلي وقبة الصخرة بُنيت في فترة متأخرة، إذ بنيت قبة الصخرة على يد عبد الملك بن مروان عام 72 هـ (691 م)، واستُكمل الجامع القبلي في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك.
أهميتة في قلوب المسلمين
المسجد الأقصى هو المكان الذي أسري إليه النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وذكرت قصته في القرآن، كما كان أولى القبلتين في الإسلام ومركزاً للعبادة والتعليم والاحتفالات الدينية والمراسيم السلطانية.
تعدُّ الصلاة في المسجد الأقصى من الأعمال الدينية المحببة والمشجعة في الإسلام، هناك العديد من الأحاديث والروايات التي تشير إلى فضل الصلاة في المسجد الأقصى، وقد تنوعت الأحاديث النبوية حول مدى تضاعف الأجر الذي يمكن أن يحصل عليه المصلي، إذ وردت روايات تشير إلى أن الأجر يعادل 500 صلاة، وأخرى تقول 250 صلاة.
دورالمسجد الأقصى في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني
بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس الشرقية والمسجد الأقصى في عام 1967، شهد المسجد الأقصى العديد من الأحداث والتطورات المهمة، ومن أبرز هذه الأحداث:
اقتحام المسجد الأقصى عام 1969:
في 21 أغسطس/آب 1969، أقدم متطرفون يهود على حرق جزء من المسجد الأقصى، فيما أصبح يعرف بحادثة اقتحام المسجد الأقصى، هذا الحادث أثار غضباً عربياً وإسلامياً كبيراً وتسبب في تصاعد التوترات في المنطقة.
اندلعت النيران في المسجد، وكادت تصل إلى قبة الجامع، ولكن تمكن المسلمون والمسيحيون من إخماد الحريق على الرغم من تدخل السلطات الإسرائيلية، فيما بعد اتهمت إسرائيل شاباً أسترالياً بأنه المسؤول عن الحريق وأنه ستجري محاكمته، ورغم ذلك تبين لاحقاً أن الحريق نجمَ عن فعل إجرامي بدلاً من تماس كهربائي.
قرار مجلس الأمن الدولي:أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 271 في عام 1969 الذي أدان الحادث، ودعا إسرائيل إلى إلغاء التدابير التي تهدف إلى تغيير وضع القدس، تأكيداً لأهمية المدينة ومقدساتها، نص القرار على أن أي تدمير أو تدنيس للأماكن المقدسة أو المباني الدينية في القدس يمكن أن يهدد الأمن والسلام الدوليين.
إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي:استنكرت الدول العربية والإسلامية حريق الأقصى واجتمع قادة هذه الدول في الرباط في سبتمبر/أيلول 1969 وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وصندوق القدس للدفاع عن القدس ومقدساتها، كما تأسست لجنة القدس للحفاظ على المدينة ومقدساتها الإسلامية ومواجهة جهود التهويد التي قامت بها إسرائيل.
تقسيم أوقات الصلاة:قسّمت السلطات الإسرائيلية أوقات الصلاة في المسجد بين المسلمين واليهود، ما أثار استياءً واحتجاجاً كبيراً.
الحفريات تحت المسجد الأقصى:تعدُّ الحفريات التي الحفريات التي تقوم بها جماعة أمناء الهيكل تحت المسجد الأقصى من أخطر الأنشطة التي تهدد المسجد ومقدساته، بدأت هذه الحفريات في عام 1967 بحجة البحث عن هيكل سليمان، وامتدت فيما بعد لتشمل المنطقة تحت ساحات المسجد الأقصى، وقد أنشئ نفق عميق وطويل تحت المسجد استُخدم مكاناً للعبادة اليهودية.
في عام 2016، افتُتحت حفريات جديدة تحت المسجد الأقصى بحضور مسؤولين إسرائيليين بارزين، ما زاد من توتر الوضع واستنكار الجماهير العربية والإسلامية.
"المسجد الأقصي" تاريخه و اهميتة للمسلمين |
انتفاضة الأقصى.. صرخة الحرية والكرامة:
اندلعت انتفاضة فلسطينية ثانية في سبتمبر/أيلول 2000 وأُطلق عليها "انتفاضة الأقصى"، احتجاجاً على زيارة زعيم المعارضة الإسرائيلية اليميني المتطرف أرئيل شارون، إلى باحة المسجد الأقصى بحماية عسكرية إسرائيلية، تصاعدت التوترات عندما رد جنود الاحتلال بشكل عنيف على المحتجين الفلسطينيين، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى بين المدنيين الفلسطينيين.
هذه الواقعة أشعلت الفتيل لاندلاع مواجهات دامية انتشرت في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية وخارجها، وبعد يومين فقط من هذه الأحداث قتل الطفل الفلسطيني محمد جمال الدرة، وصورته وهو يحتضن والده أمام الكاميرات وهما محاصران بين النيران الإسرائيلية، أثّرت بشكل كبير في الرأي العام الدولي، وأصبح رمزاً للانتفاضة الفلسطينية.
في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، انتقلت المواجهات إلى مناطق داخل إسرائيل، إذ نفذ الفلسطينيون إضراباً شاملاً وشاركوا في الاحتجاجات والمواجهات مع الشرطة الإسرائيلية، واعتُقل العديد من المشاركين وقُتل شخص وأصيب العديد بجروح.
مكانة المسجد الأقصى في قلوب المسلمين:
يحتل المسجد الأقصى مكانة خاصة في قلوب المسلمين، فهو ثالث أقدس مسجد في الإسلام، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم في سورة الإسراء، حيث أُسرى بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام من مكة إلى المسجد الأقصى ثم عرج منه إلى السماء.
يعدُّ المسجد الأقصى رمزاً للوحدة الإسلامية، فهو مكان يجمع المسلمين من جميع أنحاء العالم، ويعكس تراثاً ثقافياً ودينياً غنياً.
هندسة المسجد الأقصى وتصميمه الرائع:
يتميز المسجد الأقصى بهندسته الرائعة وتصميمه المميز، فهو يضم العديد من المعالم التاريخية والأثرية، ومن أبرز هذه المعالم:
قبة الصخرة المشرفة:الجامع القبلي:
الآبار ومواقع الوضوء:
المصاطب:
أسبلة شرب المياه:
اقرا ايضا الحروب العالمية: على العالم وتطور السياسة العالمية
المسجد الأقصى: رمز للجمال والتاريخ والوحدة
يحظى المسجد الأقصى بمكانة مميزة في قلوب المسلمين من جميع أنحاء العالم، فهو ثالث أقدس مسجد في الإسلام، ويضم العديد من المعالم التاريخية والأثرية، كما يتميز بجمال هندسته وتصميمه.
ولا شك أن جمال المسجد الأقصى وعظمته لن يتوقفا أبداً عن إثارة إعجاب العالم، كما أن أهميته الدينية والتاريخية ستظل محفوظة للأبد.
إن المسجد الأقصى هو مكان مبارك نسأل الله تعالى أن يجمعنا في صفوف المصلين فيه، وأن يحقق أمانينا برؤية المسجد الأقصى في سلام دائم.
خاتمة:
المسجد الأقصى هو رمز للقدس ووحدة المسلمين، وهو مكان مقدس يحظى بمكانة خاصة في قلوب المسلمين من جميع أنحاء العالم، ويلعب دوراً هاماً في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، ويشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل التي تسعى إلى تهويد القدس وتغيير هويتها الدينية والثقافية.
مقالة مفيدة جدا بارك الله فيك
ردحذف